mercredi 21 mai 2008

منتديات الموسيقى


الموسيقى والانترنت
نشرت في جريدة الحال الفلسطينية


بات من الثابت أن اختراع الأسطوانة القديمة غيّر عميقاً في بنية الموسيقى الشرقية التي كانت تقوم على مبادئ التتابع المنظّم في القطع (كما المقام العراقي، والوصلة المصرية). ذلك أنه اضطر الموسيقيين والمطربين إلى ضبط أدائهم في حدود الأسطوانة زمناً، مما فكك عرى هذا التتابع وفرط وحدته، باستثناءات قليلة في بعض الأسطوانات الأكثر قدماً.

إلا أن الاسطوانة غيّرت بشكل أعمق ربما هذه البنية حين استدخلت شركات الانتاج في عملية توليد الموسيقى، فظهر الملحّن، بمفهومه الحديث، وظهرت حقوق الملكية التي تستغلها الشركات. أدى هذا، وكانت مصر سبّاقة في التعرف على هذا التحول، إلى زيادة منسوب عمل الملحن بالنسبة إلى المطرب، وتقليل مساحة الارتجال، وإلى احتكار بعض الشركات لهذا اللحن أو ذاك ومنعه من التداول وتضافر مخيلات المطربين المختلفين على اغنائه، مثلما كانت الحال في السابق. شيئاً فشيئاً، ظهرت أيضاً الفرق التي حلت محل التخت، وكان عازفوها باطراد من خريجي المعاهد الموسيقية التي استقرت على ضرب من التعليم يختلف عن التلقين بالمشافهة والمعايشة ومصاحبة أهل الفن.

يدل هذا على أن ليس بالإمكان فصل الموسيقى، كنتاج فني، عن عملية الانتاج نفسها، وما يرافقها من شروط مادية أو تعليمية أو قانونية. ونحن ربما على عتبة تغيير غير مسبوق، سواء في فهم الموسيقى أو في تعلمها والاثنان يسيران جنباً إلى جنب، في عصر الانترنت هذا. فمن محاسن هذا الاختراع أن بعض العرب رؤوا فيه مجالاً نادراً للاستفادة من تقنيات "التخزين الرقمي" من أجل الحفاظ على تراث منقرض وتبادله. إلا أن موضوع المنتديات الموسيقية، وهي كثيرة مبذولة مجاناً لمن يشاء، يتجاوز فكرة التخزين والأرشفة، إلى كونه أيضاً يسمح باخراج كنوز مستغلقة من خزائن الجامعين القدامى، ووضعها في متناول من يحب هذه الموسيقى، ويسمح بالتالي بقراءة أفضل لتطورها واجراء المقارنات الدقيقة بين الصيغ المختلفة أو الحفلات المتعددة التي شهدت أداء أغنية أو قالب ما. وإلى جانب الفهم الأصوب للموسيقى، تؤدي المنتديات والمواقع الموسيقية خدمة ضخمة في تعريف أبناء كل بلد عربي بتراث البلدان الأخرى، من المغرب إلى اليمن، بما يتضمنه من قوالب وايقاعات وأنغام، فضلاً عن تقريب كل هذا ايضاً من الموسيقى الايرانية والتركية وغيرها.

المنتديات إذاً أداة فهم ودراسة للدارسين، وأداة "تثقيف" لأذن المستمع وأصابع العازفين وأرواحهم، لمن يجدّ. فضلاً عن أنها، في الحالة الفلسطينية تحديداً، تسمح بتجاوز أسيجة الحدود المسننة، أو المناسبات العالمية المتباعدة، لتعرف الفلسطينيين بالعرب والعرب بالفلسطينيين ومدرسة عازفيهم البازغة، في مجال العود خصوصاً. لا شك أنه لا يزال من المبكر الحديث عن نجوم عبر الانترنت، كما بدأ يحصل في الغرب كما الصين، إلا أن التثاقف الذي يفرضه الانترنت لا شك سينتج أمزجة جديدة وموسيقيين أوسع اطلاعاً على مسيرة الموسيقى الشرقية وأرسخ قدماً في الدرب التي سيقطعونها في اغناء هذا الفن.

Aucun commentaire: